تجلس بالقرب منه ..
تنظر إليه.. بدقة..
تحاور عينيه البريئتين...
تحاول أن تكون قريبة ...
أكثر فأكثر ....
يمنعها ..تدللـــه...
يتحاوران وبهدوء الصمت...
بدت خائفة جدا...
كما لو أنها... لم تعرفه...
..
كانت.. عند المحطة تنتظر وصول صديقها...
أشعلت سيجارة..
وراحت تتلفت يميناً وشمالاً..
تنتظر قدومه بين الفينة والأخرى...
أضناها الإنتظار...
تعبت ...
ربما ملت....
اتجهت إلى بائع يقدم الشاي الساخن ..
ودونما انتباه...
حطت عيناها على عينيه...
وبدا كل شيء بطيء...
من...صاحب هذا الظل الطويل...
والشعر الكستنائي..
والسالف الأسمر...
والعينين..العسليتين...
ورائحة العطر التي تفوح هنا ولا تنتهي هناك...
قد أكون أعرفه...
لا أنني أعرفه...
وعند إقترابه ...
من يكون... من يكون..
يقطع سلسلة الأفكار الجدلية..
صفير القطار معلناً وصول الركاب...
أطفأت سيجارة التبغ الطويلة...
وبكعب جزمتها الطويلة... داست عليها بغضب..
بدت جنونية ...
تلك الصافرة...
لا أدري.. كم مرة سمعتها لكنها بدت جنونيةهذه المرة...
وتحولت في لحظات...
إلى صديقة وفية تنتظر صديقها الوحيد...بشغف..
وبين عشرات الرؤوس كانت ترفع رأسها محاولة البحث عنه..
تتلقى دفعة من هنا ولكمة من هناك...
يعلو صوت هناك....
اشتقتلك حبيبي.... أحبك....
ويتعانقان....
حبيبتي.....
وصوت آخر... قادم بالقرب ..
أحبك ياحبيبتي....
وكثرت الكلمات حبيبي وأحبك و عيوني...
واشتقت إليك...
أمي الغالية... أبي..
وبدت هي الوحيد ة التي لا تلفظ مثل هكذا كلمات...
وبدأت هكذا كلمات تغيب ...ويعلو..صوت.. الإعلان عن موعد الرحلة القادمة..
لم يأت ... لم يأت صديق الطفولة...
هي بدأت... تحس أنه أكبر من كلمة الصداقة وما تحمله هذه الكلمة من معان...
وراحت الساحة التي غصت بالمستقبلين...
تخلو رويداً رويدا...
والأصوات.. ترحل...
إلا شخص...كان يقف بجانبها...
لم يستقبل أحداً...
ولم يقبل أحداًًً...
ولم يعانق أحدًا...
وفجأة ....
نظرت إليه وقالت بحزم...
عانقني.....
ألا تفهم......عانقنـــــــي......
وقبلني........
قبلني.......
أنسحق... على جسدي...
وفتحت ذراعيها... وأغمضت عينيها....
وراحت تنتظر صاحب السالف الطويل معانقتها...
هيا....
لا تخيب أملي...
أمسك يدها ... وقبلها...
سيدتي..الفاضلة... اسمعيني...
رحلتي القادمة...إلى ...
لا... أنا فقط أريد أن تعانقني...
لا أكثر...
(يقاطعها)..
بصراحة أنا رجل متزوج....
ولا أريد..أن أقطع علاقتي بزوجتي..
(ترد عليه وبغضب)
أرجوك....
لا تختلق اسباباً تبرر فيها....عدم تجاوبك...
تصمت قليلاً...
ألست تحبني....(تسأل وتجيب بسرعة)
نعم...
أنا أحبك....
أحبك....أحبـــــــــك..
لا تسألني كيف ومتى ..... أنا ...
وأنا أيضاً....(مقاطعاً)
(تتلعثم)و أنت ماذا....
أنا أحبـــــــــــــــــك......
صدقيني ومن أول نظرة...كما يقولون...
أمسكت بيده...
تعال اجلس ...
ولكن أنا لا أستطيع...أن أقدم لك شيئاً تفضلينه...
لأنني مسافر... وزوجتي تنتظرني...
(تنظر إليه...)
تحاور عينيه البريئتين...
تحاول أن تكون قريبة ...
أكثر فأكثر ....
يمنعها ..تدللـــه...
يتحاوران وبهدوء الصمت...
بدت خائفة جدا...
تمنت أنها... لم تعرفه...
ولم يقل لها أحبك....
ولم تقل له أحبك.....
أذهب معك....
أسكن أينما تسكن..
أشار لها برأسه... لا ينفع....
أن أخون زوجتي....
تزوجني إذا...
...
تزوجني...(الصافرة الأخيرة...للرحلة...)
يرفع راسه...تزوجني... قل نعم...
يحمل حقيبته... ويرحل صاحب السالف الطويل...
تزوجني...
تركض خلفه...
تذكر أني قدمت لك عرضاً ستندم عليه لا حقا ً...
وتلوح له.... ويلوح لها بهدوء يبتعد....
ويتكاثر الدخان ... ويتعالى صوت المحرك...
تشعل سيجارة وتمشي مضطربة.....
تضحك...
وتعلو ضحكاتها أكثر...
أه.......أه .....
......تذكرت...
لم أساله... عن اسمه...
عن عنوانه...
إلى أين ذاهب.....
يعلو الضحك أكثر....
لم يسأل عن اسمي....
وعنواني.....
..........................................
ترمي حقيبتها.......وتركض باتجاه القطار...
أحبـــــــــــــــــك...أيها اللعين..
أحبك...أيها الغبي..
وباتت كل يوم وفي نفس الوقت تنتظر... في المحطة قدومه..
مازال الناس في المحطة...
يتعانقون ويتبادلون القبل...
ومازالت وحيدة... وحيدة...