قفت أقلام الحب عاجزة أمام سرد ألفاظ هذه القصة
وقفت سطور الغرام تصرخ لنسق أحداث هذه القصة
وقفت كلمات وحروف العشق ذليلة أمام روى هذه القصة
وقف الشعر حائراً اما قافية هذه القصة..فمن هذا الشاعر الذى يتجرأ و يوصفها ؟
نحن نعلم أن الشمس لا تغيب فى عالمنا و لكن سرعان ما غابت شمس هذا الحب و حل ظلام الفراق..
إنه القدر عندما يرمى سهامه على قلبين ليس ذنبهما إلا جعلوا من حبهما ديناً غير الاديان السماوية
جاءا الحياة بحلم برىء فقط أن يعيشا فى جنة الحب فبخل عليهما القدر و كشرت الدنيا عن أنيابها إزاء عشقهم..و كان الفراق...
أحبها حتى غارت منها الشمس و أحبته حتى حسده القمر..و ليت قلمى يسعفنى فى وصف ما كان بينهما...عشق كل من يرى أنه يشبهها و عشقت كل من تسمع صوت شبيه بصوته..
رهف و عاطف...قلبان مثل كل القلوب لكن الفرق أنهما كانا أول قلبان يموتان و مازالوا أحياء...حقاً قد عجز الطب الرومانسى عن تفسير هذه الظاهرة...مازال حبهما حياً بين العاشقين منهجاً ليستمدوا منه الأصول و العبر..مازال حبهما حياً يُدرس فى مدارس العشق و جامعات الحب و كليات الغرام...وقف الحب باكياً أمامهما و وقف العشق صارخاً أمامها..
لكنها رياح الأقدار تهب فى أى وقت..
فبعد التخرج..مرت السنون و هى ترفض فقط كل من يفكر أن يتقدم إليها زوجاً..
و ُأبرم موعد لقاء أبيها...
كان أول ما نطق به أبوها : ماذا لديك ؟...
وقفت الحروف فى لسان عاطف قائلاً : قبل أن تعرض إمتيازات الرجل الذى تتمناه فى إبنتك يا عمى يجب أن تعلم أن رهف جوهرة ما خلقت إلا أن تضع فى قلبى و لا تخرج منه قبل أن أموت و يتحلل جسدى و تخرجوها منه
الأب : ماذا ؟..هل تقابلتما ؟
عاطف : إنها زميلتى فى الجامعة...و ساكنتى فى القلب..
الأب : عليك أن تعرف أنك تتكلم على بنت ليس بينكما رباط شرعى لذا فانتقى ألفاظك..أنا ما أردت إلا أن أرى فلذة كبدى مع من يصونها مادياً و إجتماعيا و لا أعترف بما تقوله..فإن الحب الذى تتكلم عنه لم يستخدموه إلا فى أفلام تعرض و ننساها و يموت ممثليها..أرجو أن تكون على مستوى يفهم ما أقوله..ماذا تعمل هلا أخبرتى ؟
عاطف : مهلاً يا عمى..لقد استلمت وظيفة..و كنت...
(و قبل أن يكمل )
الأب : حقاً لم أعلم سر إختيارها لكِ و كونها لم تخبرنى عما بينكما و كونك مازلت فى مرحلة إستلام الوظيفة بعد تخرجك بخمس سنوات..هذا ما يجعلنى أقولها لك..متأسف يا بنى..إن إبنتى تخطت مرحلة لا تسمح لها بالإنتظار أكثر من هذا و لكم حلمت يوم أن أراها فى هذا الثوب الأبيض..
و لولا أن الله ألهم عاطف القوة التى تساعده فى كبت بركان الدموع قبل أن ينبجس من عينه أمام الأب..
خرج و الدموع تنهمر من عينه كالغيث فى جوف الخريف...
مضت الأيام و هما يتبادلان المكالمات التى لا تحتوى إلا على نحيب رهف و دموع عاطف التى لا تتوقف وهو لا يعلم كيف لم يبع الدنيا كى يحظى بها
..اتفق الأب على موعد عرس رهف على ابن عمها الذى عاد من بعثته المهنية و قد أنعم الله عليه برغد العيش ما يؤهله إلى أن يكون أكثر من مليونير...
و ما أن علم عاطف هذا الخبر و الإنتحار يحالفه كل لحظة لولا العناية الإلهية أولاً ثم رعاية الأطباء النفسيين و الحراس ثانياً بإعتبار وجوده فى مستشفى الامراض العصبية بعدما دخل عالم الجنون..
يرقد فى سريره ساكراً مخموراً..لا يكف صراخه فى وجه الحراس..أخرجووووونى لأقول لها آخر ما تبقى من حياتى...لا يكف لعنه للقدر و الحياة..حتى كاد أن يكفر بالله و هو يصرخ لله : إما أن تقلع روحى و إما أن تغفر لى على الإنتحار...حتى سمعه أحد الحراس و تقرب إليه قائلاً : أما تخشى كفرك بالله ؟..أليس لديك دين ؟
صرخ فى وجهه : رهف هى دينى..هى شريعتى..و قد فقدت دينى و أصبحت كافراً بدونها
و الحارس و هو يستغفر له : يا إلهى...أظن أن تكتفى بجنونك قبل أن تكون كافراً
حاول الهروب أكثر من مرة و لكن كلها باءت بالفشل..
و رهف التى لولا أن أستأجر أبوها بعض العاملات فى العقار كى يراقبوها ما بين محاولة القفز من الشرفة تارة و قطع شرايينها بالمشرط تارة أخرى و لكن لم يشأ الرحمن..
و جاء موعد العرس..جاء القدر حاملاً معه سيوفه كى تطعن فى قلوب العاشقين دون رحمة أو شفقة...
لم تكن محاولة خروج رهف و وجهها تنفجر منه ينابيع الدموع و تقرح جلدها كالسواد فى جوف الليل سهلة لدرجة أن يراها ضيوف العرس دون أن تقلع أعينهم من الذهول..
شاء الرحمن و خرجت و حولها كتائب من النساء كحراس لها من الإنتحار و أبوها يقف يتحسر على كل لحظة خيل له عقله فيها أن يرفض عاطف زوجاً قبل أن يرى إبنته فى هذه الحالة ما بين الحياة و الموت..و وصلت سيارة العريس..
و حدثت تلك النهاية أن نراها فى كل الافلام و الراويات عندما يقطع الفراق شرايين الحب بعد أن وصل عنان السحاب و كاد أن يذوب منه رعد السماء...و فجأة دون توقع من بشر...!!
سمع كل الحاضرين صراخ سائق السيارة عندما رأى جثة مسفوحة فى دمائها فى حقيبة السيارة الخلفية...جرت رهف و جرى كل الحاضرين عليها...فلم تكن إلا جثة عاطف و عليها كيس و ورقة..
لم يكن العجيب أن تقف رهف دون أى رد فعل عندما رأت جثته بل قالت فى نفسها : سألحق بك الآن و لكن بعد أن أرى ما فى داخل هذا الكيس و ما فى هذه الورقة..و فتحت الكيس ووجدت قنبلة المفاجآت.. فوجدت عضو القلب لإنسان..و الورقة مكتوب عليها
( لم أكن أريد أن أحزنكِ فى أسعد أيام حياتكِ...هذا قلبى يا رهف فلتحافظى عليه و لتستعيريه حين يتوقف قلبكِ عن النبض..فلم يعد يلزمنى أبداً بعد الآن...فهو ملككِ منذ أن عرفتك و لم أرد أن أموت و علىّ دين أو أمانة لأحد...أنا الآن أتذوق طعم الموت فى حبكِ ما دمت أخفقت فى تذوقه و أنا حى...أعلم أن جهنم تنتظرنى لأنى قد أتخذتكِ ديناًَ لى..لكنى لست خائفاً لأن نار جهنم ستعذرنى إن ذاقت حبكِ..)...و بعد تلك الحروف النازفة و الكلمات المنتحرة و السطور المحرقة و الحبر المنتحب..لم يكن من الطبيعى أبداً إلا أن أخرجت رهف من جيبيها مشرطاً و قطعت به شرايين رقبتها لتسقط على الأرض ذبيحة بجانب حبيبها و هى تحتضن قلبه تغمرهما بركة دماء تداعب أجسادهما..و ليجمعهما الحب أحياء و أموات..
فإن كانت الدنيا عليهما بخيلة فأنا واثق بأن الآخرة ستكون أكثر كرماً..